يقولون العقل السليم في الجسم السليم (مقولة حفظناها وتوارثناها)، اليوم نقول العقل السليم والجسم السليم في الصحة النفسية السليمة، ولكن ماهي الصحة النفسية؟
كثيراً ما سمعنا مؤخراً عن عبارة ” الصحة النفسية ” التي أصبحت متداولة بين الناس أو على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ففي مقالنا هذا سوف نعرض لكم كل ما يخص تلك العبارة.
الصحة النفسية:
هي حالة تكامل وانسجام نفسي وروحي بمعنى آخر هي القدرة على فهم الذات ومن ثم فهم الكون للتواصل معه.
وحسب منظمة الصحة العالمية فقد عرّفت الصحة النفسية على أنها: حالة من الرفاه النفسي تمكن الشخص من مواجهة ضغوط الحياة، وتحقيق إمكاناته، والتعلّم والعمل بشكل جيد، والمساهمة في مجتمعه المحلي. وهي جزء لا يتجزأ من الصحة والرفاه اللذين يدعمان قدراتنا الفردية والجماعية على اتخاذ القرارات وإقامة العلاقات وتشكيل العالم الذي نعيش فيه.
هل سألت نفسك يوماً لماذا لا تشعر بالسعادة؟
بالرغم من أنك تمتلك الكثير من الأشياء؟ أو أنك تشعر أنك غير قادر على فهم ذاتك ولا تعرف ماذا تريد من هذه الحياة؟! لقد أصبح شائعاً في زماننا هذا أن يشعر الإنسان بالإرهاق والحزن دون وجود سبب مبرر! إن ذلك كله بسبب خلل في الصحة النفسية، فكما يتألم الجسد، تتألم الروح وتئنُ النفس.
حيث تشير الدراسات إلى أن حوالي نصف سكان العالم مصابون بمرض عقلي يؤثر على احترامهم لذواتهم علاقاتهم وأيضاً قدراتهم على العمل في الحياة اليومية. كما يمكن أن يؤثر الصحة النفسية للفرد على صحته البدنية ويؤدي إلى ضعف الصحة العقلية وإلى مشاكل عدّة مثل تعاطي المخدرات وإدمانها.
أهمية الصحة النفسية:
الصحة النفسية هي بوابة العبور للصحة الجسدية، وهي ضرورية لجميع مراحل الحياة من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشيخوخة، فكلما كانت النفس متوازنة ومستقرة، كلما انعكس ذلك إيجاباً على صحتنا الجسدية. لا تستغرب عندما تلاحظ على شاب في الثلاثينيات من العمر اليأس والإرهاق والتعب الجسدي والأمراض المزمنة ، والجلّطات المفاجئة ، وبالمقابل لا تتفاجأ عندما ترى رجل كبير في السن يمتلك جسد قوي خالٍ من الأمراض. إن العافية النفسية هي المسؤولة الأولى عن الجسد.
الصحة النفسية تخلق التوازن داخل الإنسان، فيستطيع أن يعرف ما يريد وكيف يحصل على ما أراده. إن الشخص المعافى نفسياً لديه فرصة أكبر للنجاح مهنياً ومجتمعياً، لأن النفس تؤثر على هدف ومستقبل وقرارات الإنسان إما صعوداً أو هبوطاً. إذ أننا نجد أنّ الشخص الذي يستمد توازنه من الناس يبقى في الطابور الأخير مقارنة بالشخص الذي يستمد توازنه من داخله.
التعايش الصحيح مع المجتمع يحتاج إلى صحة نفسية. طالما أن الإنسان يستطيع فهم ذاته، فهو بالتالي يستطيع فهم مجتمعه والتعايش معه. إن فهم الذات والتعايش مع المجتمع لا يتحقق إلا بوجود عافية نفسية كاملة.
فللصحة النفسية أهمية جوهرية وأساسية وهي جزء لا يتجزأ من رفاهنا العام. فهي تؤثر على جميع جوانب حياتنا، بما في ذلك صحتنا الجسدية، وعلاقاتنا، وإنتاجيتنا، وشعورنا بالرفاه.
ومن حقنا على أنفسنا أن نفهم أنفسنا من خلال البحث في دواخلنا.
تهدف دراسة الصحة النفسية إلى:
- فهم الإنسان لنفسه ومشاعره وميوله واحتياجاته.
- تبصيره بطرق التعامل مع الضغوط والمشكلات النفسية.
- مساعدته على تحقيق أقصى إمكاناته.
من أين نستمد الصحة النفسية؟
أولاً: من أنفسنا، بمعنى أننا العامل الأساسي في امتلاكنا لعافية نفسية سليمة. علينا أن نعرف أن الإنسان هو من يحفّز طاقاته الكامنة سواء كانت طاقات إيجابية أو سلبية. فكلما كنت تمتلك كونترول للسيطرة على نفسك والتحكم بها وتطهيرها بين الحين والآخر، كلما امتلكت صحة نفسية أفضل.
ثانياً: من الآخرين. في الماضي كانت نسبة المتعافين نفسياً أكبر بكثير من نسبتهم في وقتنا الحالي، لذلك كان البعض يلجأ إلى الآخرين للحصول على الدعم النفسي، سواء كانوا أصدقاء أو أقارب أو ما إلى ذلك، وبما أن الحياة أصبحت أكثر تعقيداً وصعوبة مما كانت عليه في الماضي، باتت نسبة المتعبين تصل إلى 80% في وقتنا الراهن لذلك أصبح من الضروري اللجوء إلى المختص النفسي وطلب الدعم والمشورة منه.
العوامل التي تؤثر على
الصحة النفسية تؤثر العديد من العوامل على الصحة النفسية، منها:
- الوراثة
- البيئة
- التجارب الحياتية
- العوامل الاجتماعية والاقتصادية.
- الاضطرابات النفسية.
الاضطرابات النفسية:
الاضطرابات النفسية هي حالات طبية تؤثر على الحالة العقلية والعاطفية للفرد. يمكن أن تسبب هذه الاضطرابات مجموعة متنوعة من الأعراض، مثل:
- الاكتئاب
- القلق
- الفصام
- اضطرابات الأكل
- اضطرابات النوم
قصة من الواقع:
عانت لسنوات طويلة من ألم نفسي، كانت بحاجة لأن يفهمها أحد، لجأت إلى صديقة مقربة لها حتى تدعمها، وما إن كشفت أوراقها أمام صديقتها حتى اكتشفت أن الأخرى تعاني أكثر منها وتكتم، ثم لجأت إلى قريبتها التي كانت أيضاً تعاني مثلها. عندما وصلت إليّ قالت لي (كنت مفكرة حالي الوحيدة الي بحاجة لدعم نفسي بس طلع نص الشعب بدو علاج).
الصحة النفسية من وجهة نظر الأديان:
إن الله أعطانا الروح والجسد، فكما يأمرنا بالحفاظ على الجسد، يريدنا أيضاً أن نكون بصحة نفسية جيدة. إذا نظرنا إلى جميع الأديان سواء الأديان السماوية أو الأرضية (إسلام، مسيحية، يهودية، بوذية، وغيرها من الأديان) نرى أنهم جميعاً يدعون الإنسان لتنقية روحه بعمل الخير وزرع المحبة والسعادة في نفسه وفي نفوس الآخرين، وتطهير ذاته من الحقد والطمع والرذيلة، وهذا ما نسميه بلغة عصرنا اليوم الصحة النفسية. وكما قال الله تعالى في آخر كتبه السماوية: ” وَأَمَّا الذين سُعِدُواْ ففي الجنة خالدين فِيهَا ” أي أن الله يريد للإنسان أن يكون سعيداً لأن السعادة الروحية توصل للجنة.
الصحة النفسية من منظور حديث:
بحسب الدراسات الحديثة فإن العافية النفسية التي توصل للاكتفاء الذاتي، والتركيز على النفس وتحمل المسؤولية، والتفكير الصحيح، والابتعاد عن الطاقات السلبية عند الأشخاص، تعكس نجاح في الحياة سواء كان في، الدراسة، العمل، الحب، الزواج، الصداقة وتكوين العلاقات السليمة … الخ. هم يعرفون كيف يصيغون أهدافهم بالتخطيط والتنظيم وكيف ينجحون اجتماعياً ومهنياً سواء كانوا مدراء أو موظفين.
وكل ذلك يقع تحت قبة العافية النفسية الجيدة.
كما أن نجاح العلاقات مع الأشخاص مرتبط بوجود صحة نفسية. (الرجل الذي لا يشعر بعقدة النقص أمام تفوق زوجته، الزوجة التي لا تتفاخر بثراء عائلتها مقارنة بعائلة زوجها، الصديق الذي لا يشعر بالحسد والغيرة من نجاح صديقه) كل تلك العلاقات نجاحها يقع على عاتق النفس المتوازنة والمعافاة. إضافة إلى أن القدرة على التواصل مع الذات والكون والطبيعة منشأه نفسي.
فكلما كان الإنسان يمتلك عافية نفسية كلما استطاع أن يصل إلى أعماق ذاته ويفهمها، واستطاع أن يتوحد مع الطبيعة ويستمد منها طاقاته الإيجابية ويكون أقرب لفطرته التي فطره عليها الله.
أجمل ماقيل في الصحة النفسية:
الصحة النفسية هي جوهر الحياة السعيدة والناجحة.” – ألبرت أينشتاين
“الصحة النفسية هي مفتاح الحياة الجيدة.” – هيلاري كلينتون
الصحة النفسية ليست امتيازا، بل هي حق أساسي من حقوق الإنسان – ويجب أن تكون جزءا من التغطية الصحية الشاملة”. (أمين عام الأمم المتحدة)
في الختام:
الصحة النفسية هي حق أساسي من حقوق الإنسان، ويجب أن نسعى جميعاً إلى تعزيزها وحمايتها. فعندما نتمتع بصحة نفسية جيدة، نكون قادرين على العيش حياة سعيدة ومثمرة، فإن الحياة التي وهِبت لنا تستحق أن نعيشها برضا روحي وتوازن نفسي وعافية جسدية ونفسية، وذلك لن يتحقق إلا بالاهتمام بالنفس والحفاظ عليها وعلاجها عند الضرورة.