قصة نجاة في رحلة التغلب على الخوف والقلق
دخلت مريم عيادتي بخطوات متعثرة، وعيناها تملؤهما الحيرة والخوف. جلست على كرسيّ المقابل، وقالت بصوت خافت: “أشعرُ كأنّ قلبي سينفجر، لا أستطيعُ التنفس، أُريدُ فقط أن أُنهي هذا الشعور المُرعب”.
استمعتُ باهتمامٍ إلى حكايتها، شعورٌ بالاختناق يهيمن عليها، ضيقٌ في التنفس، خفقانٌ سريعٌ للقلب، دوارٌ يُفقِدُها توازنها، كلّها أعراضٌ تُشيرُ إلى نوبة الهلع المُفاجئة.
سألتُها عن سبب شعورها بالخوف، فبدأتْ تروي حكايةً مُؤثّرةً عن فقدانها المفاجئ لوالدها، وكيف أنّها لم تستطعْ استيعاب الصدمة، فغلبتها مشاعرُ الحزنِ والقلقِ والوحدةِ.
طمأنتُها أنّ ما تشعرُ به هو ردّة فعل طبيعيةٌ على الفقدان، وأنّ العلاجَ متاحٌ للتغلب على هذه الأعراضِ المُزعجة.
بدأنا رحلةَ العلاجِ معاً، تدرّبتْ مريم على تقنياتِ الاسترخاءِ والتحكمِ بالتنفس، وواجهتْ مشاعرَ الخوفِ والقلقِ بِشجاعةٍ.
مع مرورِ الوقتِ، بدأتْ أعراضُ نوبة الهلعِ تقلّ تدريجيّاً، وعادتْ مريمُ لتشعرَ بالأملِ والتفاؤلِ في الحياةِ.
أدركتْ مريمُ أنّها ليستْ وحدها في رحلتها، وأنّ العلاجَ النفسيّ يُمكنُ أنْ يُساعدها على التغلّبِ على أيّةِ صعوباتٍ تواجهها في حياتها.
مُلهمةٌ هي حكايةُ مريم، حكايةُ التغلّبِ على الخوفِ والقلقِ، حكايةُ الانتصارِ على الصدمةِ والألمِ تعريف نوبات الهلع:
نوبة الهلع هي هجوم مفاجئ وشديد من الخوف أو الذعر، يصاحبه أعراض جسدية ونفسية. يمكن أن تحدث النوبة في أي مكان وفي أي وقت، حتى في غياب أي خطر حقيقي.
أسباب نوبات الهلع:
تكمن الإجابة في الصدمات النفسية، تلك الأحداث المؤلمة التي تُخلف ندوباً عميقة في النفس، وتُغير طريقة استجابة الشخص للضغوطات.
فمن تعرض لصدمة نفسية، مثل حادث خطير، أو اعتداء جسدي أو جنسي، أو فقدان عزيز، يصبح أكثر عرضة للإصابة بنوبات الهلع.
ما هي العلاقة بين الصدمات النفسية ونوبات الهلع؟
-
- 1. إعادة إحياء الحدث: تُسبب الصدمات النفسية تغيرات في وظائف الدماغ، مما يُؤدي إلى إعادة إحياء الحدث المؤلم في الذاكرة، مع شعور قوي بالخوف والقلق، وكأن الحدث يحدث مرة أخرى.
-
- 2. فرط اليقظة: يصبح الشخص بعد الصدمة النفسية أكثر حساسية للمواقف المُهددة، مما يُؤدي إلى شعور دائم بالخوف والتوتر، ويُصبح أكثر عرضة للإصابة بالنوبات.
-
- 3. اضطرابات النوم: قد تُسبب الصدمات النفسية اضطرابات في النوم، مثل الأرق أو الكوابيس، مما يُؤدي إلى إرهاق الشخص وجعله أكثر عرضة للإصابة بنوبة الهلع.
-
- 4. تغيرات كيميائية في الدماغ: تُسبب الصدمات النفسية تغيرات في كيمياء الدماغ، مما يُؤدي إلى اختلال التوازن في بعض المواد الكيميائية، مثل السيروتونين والدوبامين، وهي مواد تلعب دورًا هامًا في تنظيم المزاج والمشاعر.
-
- 5. العوامل الوراثية: تلعب العوامل الوراثية دورًا في الإصابة بنوبات الهلع، لكن الصدمات النفسية تُزيد من خطر الإصابة بشكل كبير، حتى لدى الأشخاص الذين لا يملكون تاريخًا عائليًا للإصابة باضطرابات القلق.
-
- 6. العوامل البيئية: قد تُؤدي بعض العوامل البيئية، مثل التعرض للضغوطات الشديدة أو تعاطي بعض المواد المخدرة، إلى زيادة خطر الإصابة بنوبات الهلع لدى الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات نفسية.
أعراض نوبات الهلع:
تبدأ النوبة عادةً فجأة دون سابق إنذار، ويمكن أن تستمر من بضع دقائق إلى ساعة. قد تتكرر نوبات الهلع بعد فترة وجيزة من حدوثها، أو قد تحدث بانتظام على مدار عدة أسابيع أو أشهر
وترافقها أعراض جسدية مثل:
-
- الخوف أو الذعر الشديد
-
- تسارع ضربات القلب
-
- ضيق التنفس
-
- التعرق
-
- الارتعاش
-
- الدوخة أو الدوار
-
- الشعور بالغثيان أو القيء
-
- الشعور بالوخز أو التنميل في اليدين أو القدمين
-
- الشعور بالاختناق أو صعوبة التنفس
-
- الشعور بالدوار أو فقدان التوازن
متى يحدث الهلع؟
يمكن أن تحدث نوبة الهلع في أي وقت، ولكن غالبًا ما تحدث في الأماكن أو المواقف التي يشعر فيها الشخص بالخوف أو التوتر. يمكن أن تحدث أيضًا أثناء النوم، مما قد يؤدي إلى كابوس أو تجربة شبيهة بالحلم.
بعض المواقف التي قد تزيد من خطر حدوث النوبات:
-
- الأماكن المزدحمة أو المغلقة
-
- الأماكن التي ترتبط بحدث مثير للخوف متل الصدمة وفقدان أحد الأحبة المقربين
-
- عند التعرض لموقف مجهد أو مرهق مثل العمل والدراسة لساعات طويلة جداً
-
- عند تعاطي المخدرات أو الكحول
ويمكن حدوث النوبات لأسباب جسدية مثل:
-
- التغيرات الهرمونية، مثل التغيرات التي تحدث أثناء الحمل أو الدورة الشهرية
-
- بعض الحالات الطبية، مثل قصور الغدة الدرقية أو مرض الشريان التاجي.
صدمات نفسية تُفجر نوبة الهلع: إليك 3 أمثلة:
_تعرض شخص لتجربة مرهقة للغاية، مثل الفشل في امتحانٍ مهم، أو عند التقدم لمقابلة عمل وشعوره بالخوف الشديد من الفشل أو الرفض.
_قد يصاب شخص تعرض لحادث سيارة بنوبة هلع إذا شعر بالخوف الشديد أثناء الحادث أو إذا شعر أنه على وشك الموت.
_قد يصاب شخص تعرض للاعتداء الجنسي بنوبة هلع إذا شعر بالخوف أو العار أو الذنب بعد الاعتداء، أو إذا كان في مكان عام يذكره بالحادث.
مثل فتاة تعرضت للاغتصاب، قد تعاني من نوبة هلع عند رؤية رجل غريب أو عند الاقتراب من شخص ما.
هنالك تجربة شائعة يمر بها الجميع في مرحلة ما من حياتهم وهي الخسارة. يمكن أن تكون الخسارة لأي شيء عزيز علينا. يمكن أن تكون الخسارة مؤلمة للغاية ويمكن أن تؤدي إلى مجموعة من المشاعر والأعراض، بما في ذلك نوبات الهلع.
أمثلة عن الخسارات التي تفتح أبواب الهلع:
-
- فقدان أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء
-
- فقدان الوظيفة
-
- فقدان العلاقات
-
- فقدان الصحة
-
- فقدان المنزل
-
- فقدان الشعور بالأمن أو السيطرة
الصدمة التي لا تُنسى، كيف يهدد الفقدان سلامنا النفسي:
-
- وفاة أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء: تعتبر وفاة أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء أحد أكثر أنواع الخسارة إيلامًا. يمكن أن تؤدي إلى مشاعر الحزن والاكتئاب والخوف والقلق. يمكن أن تؤدي هذه المشاعر إلى نوبات هلع، خاصةً إذا كانت الخسارة مفاجئة أو غير متوقعة.
-
- الطلاق أو الانفصال: يمكن أن يكون الطلاق أو الانفصال تجربة مؤلمة للغاية يمكن أن تؤدي إلى مجموعة من المشاعر، مثل الحزن والغضب والشعور بالوحدة والخوف. يمكن أن تؤدي هذه المشاعر إلى نوبات هلع، خاصةً إذا كان الشخص يشعر بالوحدة أو الرفض.
-
- فقدان الوظيفة: يمكن أن يكون فقدان الوظيفة تجربة مرهقة للغاية يمكن أن تؤدي إلى مجموعة من المشاعر، مثل القلق والتوتر والخوف. يمكن أن تؤدي هذه المشاعر إلى نوبات هلع، خاصةً إذا كان الشخص يشعر بعدم الأمان أو عدم اليقين بشأن مستقبله
-
- الإصابة أو المرض: يمكن أن يؤدي التعرض لإصابة أو مرض خطير إلى الشعور بالخوف والقلق من الموت أو الإصابة مرة أخرى. يمكن أن تؤدي هذه المشاعر إلى نوبات هلع، خاصةً إذا كان الشخص يشعر بأنه غير قادر على السيطرة على حياته.
-
- التغييرات الكبيرة في الحياة: يمكن أن تؤدي التغييرات الكبيرة في الحياة، مثل الانتقال إلى مكان جديد أو بدء وظيفة جديدة أو إنجاب طفل، إلى الشعور بالقلق والتوتر. يمكن أن تؤدي هذه المشاعر إلى نوبات هلع، خاصةً إذا كان الشخص يشعر بأنه غير قادر على التكيف مع التغييرات.
الانفصال عن الذات هو سرّ الخوف الداخلي!!
_ يمكن أن يؤدي الانفصال عن الذات إلى صعوبة في تحديد المشاعر وفهمها. فعندما لا يكون الشخص على اتصال بمشاعره، فقد يكون من الصعب عليه فهم سبب شعوره بالخوف أو القلق. مما قد يؤدي إلى نوبة هلع.
_ يمكن أن يؤدي عدم الثقة والأمان الذاتي إلى الشعور بالتهديد أو الضعف. فعندما لا يشعر الشخص بالثقة في قدرته على التعامل مع المواقف الصعبة، يكون أكثر عرضة للشعور بالخوف أو القلق. وقد يؤدي هذا إلى نوبة هلع.
_ يمكن أن يؤدي الانفصال عن الذات وعدم الثقة والأمان الذاتي إلى تركيز الشخص على أعراض نوبته. عندما لا يكون الشخص على اتصال بمشاعره أو قدراته، فقد يكون من المرجح أن يركز على الأعراض الجسدية لنوبة الهلع، مثل تسارع ضربات القلب أو ضيق التنفس. يمكن أن يؤدي هذا إلى تفاقم الأعراض وزيادة خطر حدوث النوبة.
العلاج:
يمكن أن يساعد العلاج النفسي الأشخاص الذين يعانون من الانفصال عن الذات وعدم الثقة والأمان الذاتي في إدارة هذه المشكلات ومنع حدوث نوبات الهلع. من خلال:
_تطوير شعور أقوى بالوعي الذاتي والاتصال بالذات.
_زيادة الثقة بالنفس والشعور بالأمان.
_تطوير مهارات التأقلم مع الضغوط.
بعض النصائح التي يمكن أن تساعد في منع نوبات الهلع:
-
- تعلم كيفية التعرف على علامات التحذير من نوبة الهلع.
-
- مارس تمارين الاسترخاء، مثل التنفس العميق والتأمل.
-
- اعتني بنفسك جسديًا وعقليًا، من خلال تناول الطعام الصحي والحصول على قسط كافٍ من النوم وممارسة الرياضة.
-
- اطلب المساعدة من أخصائي الصحة النفسية فوراً إذا كنت تعاني من نوبات هلع بشكل متكرر.يساعدك العلاج النفسي الأشخاص في فهم العوامل التي تساهم في نوبات الهلع وتطوير استراتيجيات للتغلب عليها.
أنواع العلاج النفسي والسلوكي المستخدمة في علاج نوبات الهلع:
-
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يركز العلاج السلوكي المعرفي على تغيير الأفكار والسلوكيات التي تساهم في نوبات الهلع. يمكن أن يساعد العلاج السلوكي المعرفي الأشخاص في إعادة تقييم أفكارهم وتعلم تقنيات الاسترخاء، والتعرض تدريجيًا لمواقف أو أحداث قد تسبب نوبات الهلع.
-
- المعالجة المعرفية المركزة على الانتباه (ACT): يركز العلاج المعرفي المركز على الانتباه على تعلم كيفية الانتباه إلى اللحظة الحالية دون الحكم عليها. يمكن أن يساعد هذا الأشخاص في تقليل الأفكار والمشاعر السلبية التي تساهم في نوبات الهلع.
-
- المعالجة المعرفية المبنية على اليقظة (MBCT): يجمع العلاج المعرفي المبني على اليقظة بين العلاج السلوكي المعرفي واليقظة. يمكن أن يساعد هذا الأشخاص في تعلم كيفية الانتباه إلى اللحظة الحالية دون الحكم عليها، وإعادة تقييم أفكارهم حول نوبات الهلع.
أسرار التغلب على الخوف وتقنيات العلاج النفسي والسلوكي:
يمكن أن يساعد العلاج النفسي والسلوكي الأشخاص الذين يعانون من نوبات الهلع بعدة طرق، بما في ذلك:
_تغيير أفكارهم حول نوبات الهلع: يمكن أن يساعد العلاج النفسي والسلوكي الأشخاص في إعادة تقييم أفكارهم حول نوبات الهلع، قد يساعد هذا في تقليل القلق وزيادة ثقة الأشخاص بقدرتهم على التعامل مع نوباتهم.
_تعلم تقنيات الاسترخاء: يمكن أن تساعد تقنيات الاسترخاء، مثل التنفس العميق والتأمل، الأشخاص في السيطرة على أعراض نوبات الهلع، مثل تسارع ضربات القلب وضيق التنفس.
_التعرض التدريجي لمواقف أو أحداث قد تسبب نوبات الهلع: يمكن أن يساعد التعرض التدريجي الأشخاص في تعلم كيفية التعامل مع المواقف أو الأحداث التي قد تسبب النوبات دون الشعور بالخوف أو الذعر.
قوة العلاج النفسي والسلوكي في علاج نوبات الهلع:
يمكن أن يساعد العلاج النفسي والسلوكي الأشخاص الذين يعانون من نوبات الهلع في تحقيق النتائج التالية:
_تقليل حدة النوبات أو القضاء عليها تمامًا.
_زيادة القدرة على التعامل مع المواقف أو الأحداث التي قد تسبب نوبات الهلع.
_انخفاض القلق العام والمساعدة في تحسين طرق تعاملنا مع ذواتنا ومع الحياة.
ختاماً:
قد تبدو نوبات الهلع كجدارٍ منيعٍ يقف أمامك، لكن تذكر أنّك لست وحدك!
فمع توفر العلاجات الفعّالة، مثل العلاج النفسي السلوكي، يمكنك كسر قيود شعورك السيء واستعادة السيطرة على حياتك.
“أنت تتحكم في أفكارك، ولا أحد يمكنه أن يزعجك دون موافقتك“
فإن كنت تعاني من نوبات الهلع، لا تتردد في طلب المساعدة من المعالج النفسي. فهو حليفك في رحلة التغلب على هذه الوحوش، واستعادة السيطرة على حياتك.